24/12/2022 - 22:00

حوار مع المحامية سوسن زهر | طرد الحموري حلقة إضافية من مسلسل إبعاد المقدسيين

منذ سن قانون الدخول لإسرائيل عام 1952 يتمتع وزير الداخلية استنادا إلى بند في القانون، بصلاحية سحب الإقامة الثابتة أو المؤقتة لشخص موجود في إسرائيل بادعاء "الإخلال بالولاء" ولكن لم يتم تعريف هذا المصطلح

حوار مع المحامية سوسن زهر | طرد الحموري حلقة إضافية من مسلسل إبعاد المقدسيين

(Gettyimages)

أبت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، ألا تترك منصبها قبل أن تسجل جريمة إضافية في سجلها الأسود، كانت بتعبير صحيفة "هآرتس" بمثابة هدية وداع قدمتها للجمهور الذي لم ينتخبها، وهي جريمة طرد المحامي المقدسي صلاح الحموري من البلاد بعد سحب إقامته، لتفتح الباب أمام طرد المزيد من المقدسيين الذين لا يروقون لوزارة الداخلية الإسرائيلية او جهاز الأمن العام (الشاباك) بادعاء "الإخلال بالولاء للدولة"، حتى لو لم يتم إثبات ذلك من خلال إجراء قانوني ينتهي بإدانة في المحكمة.

وفي حالة الحموري الذي جرى تسويغ سحب إقامته بالانتماء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المصنفة وفق القانون الإسرائيلي كتنظيم إرهابي، فإنه كان قد أدين بالانتماء للجبهة الشعبية والتخطيط لقتل الحاخام، عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة "شاس" عام 2005 وحكم بالسجن سبع سنوات ثم أطلق سراحه في صفقة شاليط عام 2011، وكان يقبع منذ تسعة أشهر تحت وطأة الاعتقال الإداري، من دون أن يتم تقديمه للمحكمة وإثبات أي تهم جديدة ضده، بما فيها الانتماء للجبهة الشعبية.

ويمنح القانون الذي سنه الكنيست عام 2018 وزير الداخلية صلاحية سحب إقامة المقدسيين وطردهم من البلاد بادعاء "الإخلال بالولاء" الذي يعرف في القانون بأنه القيام بـ"عمل إرهابي" أو النشاط في "تنظيم إرهابي".

وعلاوة على أن القانون لا يشترط وجود إدانة لسحب الإقامة، فإن التعريف الفضفاض لهذه الأعمال في قانون "مكافحة الإرهاب"، يجعل سحب الإقامة يطال من يهدد بالقيام بـ"عمل إرهابي" (دون أن يخرج لحيز التنفيذ)، كما أن الجمع بين حجة جوهرية غامضة وغير محددة وإجراء مشوب، كما خلصت افتتاحية "هآرتس"، يجعل عملية سحب لإاقامة تعسفية وجارفة.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" المحامية، سوسن زهر، المتخصصة بمجال حقوق الإنسان حول هذه الخطوة التعسفية وتأثيرها المستقبلي على المقدسيين.

"عرب 48": نحن نعرف أن عملية اقتلاع المقدسيين من مدينتهم تتواصل منذ احتلال الجزء الشرقي عام 1967 بذرائع وحجج مختلفة وتحت يافطات وتشريعات قانونية (منافية للقانون الدولي)، كان آخرها تعديل عام 2018 الذي يقال إن وزيرة الداخلية الإسرائيلية استندت إليه في سحب إقامة المحامي صلاح الحموري وطرده من البلاد، ما هو مضمون وحيثيات هذا التعديل وما تأثير البدء بتطبيقه على المقدسيين؟

المحامية سوسن زهر

زهر: تعديل قانون الدخول إلى إسرائيل الذي صودق عليه عام 2018 أعطى إمكانية لوزير الداخلية، بسحب الإقامة الثابتة من أهل القدس في حال حصول "إخلال بالولاء للدولة" (إسرائيل).

التعديل عرّف "الإخلال بالولاء" على أنه يشمل "عملا إرهابيا" حسب "قانون منع الإرهاب"، علما أن تعريف "الإرهاب" حسب القانون الإسرائيلي هو تعريف واسع جدا وجارف جدا، فهو ممكن أن يشمل عملية طعن أو دهس أو رشق حجارة، ولكن ممكن أن يشمل أيضا تنظيم معرف كـ"تنظيم إرهابي" ونحن نعرف أن إسرائيل عرفت الجبهة الشعبية أيضا كذلك مثلما عرفت بقية تنظيمات المقاومة مثل حزب الله وحماس وغيرهما.

ورغم أن إقرار هذا التعديل تم عام 2018 فإنه من الجدير التنويه إلى أن قانون الدخول إلى إسرائيل الذي سن عام 1952 (المطبق على أهل القدس)، أعطى الإمكانية لسحب الإقامة الثابتة على أساس "الإخلال بالولاء"،

ومنذ سن قانون الدخول لإسرائيل عام 1952 يتمتع وزير الداخلية استنادا إلى بند في القانون، بصلاحية سحب الإقامة الثابتة أو المؤقتة لشخص موجود في إسرائيل بادعاء "الإخلال بالولاء" ولكن لم يتم تعريف هذا المصطلح بالقانون ولذلك لم يتم تطبيق هذا القانون، لأنه كان واضحا لوزراء الداخلية المتعاقبين أن أي محاولة لتطبيقه بغياب تعريف واضح لمصطلح "الإخلال بالولاء" ستفشل قانونيا في حال وصولها إلى المحكمة العليا.

"عرب 48": لماذا جرى تعديل القانون عام 2018 وما هي حيثياته؟

زهر: التعديل جاء على خلفية قضية عضوي المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخبين عن حماس محمد أبو طير وخالد أبو عرفة ومحاولة إبعادهما عن القدس، في حينه قبلت المحكمة التماسهما استنادا إلى أن "الإخلال بالولاء" غير معرف بالقانون ولذلك لا يعطي صلاحية مفصلة لوزير الداخلية بسحب الإقامة. وأشارت المحكمة في قرارها إلى أنه في حال أقرت الكنيست مستقبلا إجراء تعديل وتعريف مصطلح "الإخلال بالولاء"، حينها سيكون الطرد قانونيا.

في قرارها من عام 2017 قبلت المحكمة عمليا بهيئة موسعة التماس ممثلي حماس لأن المصطلح لم يكن معروف ولذلك لا توجد صلاحية قانونية، وبالمقابل هذا القرار أعطى مؤشرا من قبل المحكمة للكنيست بإجراء التعديل الذي حصل في الـ2018، وتعريف مصطلح "الإخلال بالولاء" بأنه "عمل إرهابي" وتعريف "عمل إرهابي" وفق قانون منع الإرهاب من عام 2016 هو تعريف واسع جدا، والذي جرى حسبه سحب الإقامة الثابتة للمحامي الحموري وطرده من البلاد.

"عرب 48": المحامي صلاح الحموري لم يدن في المحكمة حديثا بتهمة تنفيذ "عمل إرهابي" أو النشاط في "منظمة إرهابية" بل كان معتقلا إداريا استنادا إلى مواد سرية يقدمها "الشاباك"، وعملية طرد ربما تشكل سابقة بأن يقوم "الشاباك" بتقديم أسماء عشرات الناشطين المقدسيين لوزير الداخلية لسحب إقامتهم وطردهم تحت هذه الذريعة، وهنا تكمن الخطورة..

زهر: قانون الدخول لإسرائيل مثل قانون المواطنة يشمل حالتين ممكن عن طريقهما سحب الإقامة من أهل القدس أو المواطنة لمواطنين في مناطق 48، في الحالتين ممكن أن يكون طلب لسحب الإقامة أو المواطنة في حال وجود إجراءات جنائية أو إدانة.

من ناحية ثانية ممكن تقديم نفس هذا الطلب من قبل وزير الداخلية للمصادقة عليه أمام المحكمة المركزية، حتى من دون إدانة أو علاقة بأي إجراءات جنائية، لمجرد أن وزير الداخلية يظن أن هذا الشخص ارتكب "عملا إرهابيا".

"عرب 48": هل القصد هنا هو الاعتماد على رأي "الشاباك"؟

زهر: صحيح، الاعتماد على رأي "الشاباك" الذي يستند إلى مواد وأدلة سرية لا يستطيع الشخص نفسه أن ينكشف لها وبالتالي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولكن إجراء سحب الإقامة يحتاج لمصادقة المستشار القضائي للحكومة الذي يوقع على الطلب قبل تقديمه للمحكمة للمصادقة عليه.

"عرب 48": بما أننا نعرف أن أي طلب يقدمه "الشاباك" للوزير يتم المصادقة عليه بشكل أوتوماتيكي، فإن الأخير هو من يحدد في النهاية أسماء الأشخاص الذين يريد سحب إقامتهم وطردهم، استنادا إلى مواد سرية لا تستطيع ولا تطلب المحكمة التحقق منها..

زهر: صحيح، وفي قضية الحموري فإن امتلاكه لمواطنة ثانية هي المواطنة الفرنسية سهل من عملية الطرد، وقد جرى خلال السنوات الماضية طرد المئات بل الالاف من سكان القدس الذين تم سحب هوياتهم لسبب او لآخر وطردوا للضفة أو لغزة أساسا لأنهم لا يمتلكون مواطنة ثانية. لكن أوافقك الرأي بأن طرد الحموري هو سابقة ربما تهدد الناشطين المقدسيين بشكل خاص.

"عرب 48": في الماضي كان هناك طلبات لسحب المواطنة وطرد مواطنين من مناطق 48، هل يمكن تطبيق هذا التعديل عليهم؟

زهر: هناك فرق بين القوانين التي يسري مفعولها على المواطنين في مناطق 48 وعلى أهل القدس، وبالنسبة للأخيرين فإنه بعد احتلال القدس عام 67 وحتى اليوم لا يوجد أي قانون إسرائيلي يحدد المكانة القانونية لأهل القدس، ولكن بشكل عفوي أو مقصود يتم تطبيق قانون الدخول إلى إسرائيل عليهم، رغم أنهم محتلين بمعنى أن إسرائيل هي التي دخلت إليهم وليس العكس، حتى لو تم ضمهم إلى إسرائيل بشكل مخالف للقانون الدولي.

هناك عدة أنواع من المكانة القانونية تبدأ بالتصريح المؤقت والإقامة الثابتة ثم المواطنة، وأهل القدس يحظون بإقامة ثابتة، علما أنه لا يوجد أي مصدر قانوني لمنحهم الإقامة الثابتة ولكن من ناحية ثانية إسرائيل طبق عليهم قانون الدخول إلى إسرائيل.

وقانون الدخول هو قانون يسري على الغرباء من سياح وعمال أجانب أو أي أحد ليس له أي علاقة بالمكان ويطلب الدخول إلى إسرائيل، ما يعني أن الاحتلال عامل السكان الفلسطينيين كأنهم غرباء ومنحهم إقامة ثابتة سيؤدي سحبها إلى طردهم، وليسوا سكانا أصليين واقعين تحت الاحتلال وهذا مناف للقانون الدولي.

أما بالنسبة لفلسطينيي 48 فإن مفعول قانون المواطنة يسري عليهم، لأنه بعد النكبة وفي عام 1952 تحديدا تم تعريف من هو مواطن، والفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء في الحدود التي أعلنت دولة إسرائيل في نطاقها استطاعوا الحصول على المواطنة.

ولكن قانون المواطنة أيضا شمل بند رقم 11 الذي أعطى أيضا لوزير الداخلية إمكانية سحب المواطنة في حال تم "الإخلال بالولاء"، ولكن حتى عام 2008 لم يتم التفكير بتطبيق هذا البند بسبب عدم تعريف "الإخلال بالولاء"، تماما كما كان الحال بالنسبة لأهل القدس الذين يتمتعون بإقامة ثابتة فقط وينطبق عليهم قانون الدخول إلى إسرائيل.

وتماما كان وزراء الداخلية يعرفون أنه لا يوجد أي احتمال قانوني لنجاح عملية سحب المواطنة من دون تعريف "الإخلال بالولاء"، ولكن كل شيء تغير في قانون المواطنة عام 2008 أي سنة واحدة بعد مغادرة د. عزمي بشارة للبلاد، حيث بدأ الحديث عن إعطاء الأولوية للولاء والمطالبات بشرط مواطنتنا بالولاء وكلنا نذكر شعار حزب ليبرمان "لا مواطنة بدون ولاء".

"عرب 48": الحاصل كان تعديل قانون المواطنة عام 2008؟

زهر: نعم، واحدة من ترجمات هذه الحملة كان تعديل قانون المواطنة الذي ينص على أن "الإخلال بالولاء" هو أي "عمل إرهابي"، أو أي مساعدة او مساندة لـ"تنظيم إرهابي" ومن وقتها جرى تطوير هذا التعريف إلى التعريف الذي نعرفه اليوم حسب قانون "منع الإرهاب".

حتى اليوم جرى تطبيق هذا القانون فقط على المواطنين العرب، أنا شخصيا مثلت واحدا من هؤلاء الأشخاص هو علاء زيود من أم الفحم الذي وصلت قضيته للعليا، وفيها طالبنا تحدي دستورية البند 11 في قانون المواطنة الذي أدى إلى سحب مواطنة زيود ومحمد مفارجة من اللد وهما مواطنان من مناطق 48 أدينا بـ"أعمال إرهاب" حسب قانون "منع الإرهاب".

وبعد أن وصلنا للمحكمة بهيئة موسعة ادعيت أن هذا القانون يجب أن يبطل لأن تطبيقه يتم بشكل عنصري وتمييزي ضد العرب بالذات، علما أن هناك الكثير من اليهود الذين أدينوا بأعمال معرّفة كإرهابية ولم يتم تقديم أي طلب من أي وزير داخلية لسحب مواطنتهم.

كما ادعينا أن تعريف "الإخلال بالولاء" هو جارف ومن الممكن أن يشمل أعمالا بعضها شديد وبعضها خفيف، كما أن من شأنه أن يطال من أدين قبل 20 سنة، حسب حسابات ومكاسب سياسية لوزير الداخلية، وهذا ما حصل مع المحامي الحموري الذي أدين قبل اكثر من 15 سنة، وهناك أسباب لكسب مكاسب سياسية للوزيرة من وراء طرده.

"عرب 48": وماذا كانت نتيجة الالتماس؟

زهر: في شهر تموز/يوليو من العام الجاري أصدرت المحكمة العليا بهيئة موسعة قرارا تبقي فيه القانون، وتقول إن هناك إمكانية لسحب مواطنة ممن أدين وهناك أدلة ضده بارتكاب "عمل إرهابي" ولكن تقول من ناحية ثانية، إن التفسير والتطبيق يجب أن يكون مقلصا.

لذلك أنا أعتقد، رغم أنني لم أدخل للعمق في ملف الحموري أن هناك ادعاءات قوية لقبول التماس في العليا، بناء على سابقة ملف علاء زيود الذي مثلت فيه ضد دستورية قانون المواطنة الذي يسمح بسحب المواطنة من فلسطينيي 48.

"عرب 48": في مناطق الـ48 أيضا تخوفوا من تشكيل سابقة..

زهر: نعم، تعديل 2008 الذي جرى تطبيقه على شخصين مثلت واحدا منهما أمام العليا، قدمت النيابة قائمة تضم 30 شخصا كلهم عرب، كانت وزيرة الداخلية تفحص تقديم طلب لسحب الإقامة بشأنهم.

وإن كان سحب المواطنة من أهل الداخل وسحب الإقامة من أهل القدس يتم وفق قانونين مختلفين إلا أن المبدأ واحد وهو الاستناد إلى "الإخلال بالولاء"، الذي يعرّف بأنه "عمل إرهابي" ويعتمد على تعريف قانون "منع الإرهاب".

لكن من الجدير التنويه إلى أنه بالنسبة لأهل القدس هناك طرق أخرى إضافية لسحب إقامتهم وإبعادهم بواسطتها، ومنذ العام 1967 سحب أكثر من 14 ألف إقامة وأبعد أصحابها عن المدينة، غالبيتها بادعاء أن مركز حياتهم ليس في القدس أو أنهم لم يستطيعوا إثبات ذلك، استنادا إلى قرار أصدره القاضي أهرون براك رئيس المحكمة العليا في قضية د. مبارك عوض وجرى بموجبه المصادقة على سحب إقامته.

فإذا ما تزوجت من الضفة ولم تستطع لم شمل زوجتك بسبب القانون الذي يمنع ذلك، أو اضطررت إلى ترك المدينة فإنك تفقد "مركز حياتك" وتفقد إقامتك، أو إذا اضطررت لترك القدس بسبب واحد أو اكثر من التضييقات المفروضة على أهل القدس فإنك تفقد إقامتك، هذا ناهيك عن خطر فقدان الإقامة نتيجة الخروج للتعليم أو العمل في الخارج وبالتالي فإن سابقة الحموري هي إضافة متواضعة على ما هو موجود ولكنها خطيرة.

التعليقات